الجمعة، 1 يونيو 2012

كيف يكون القدر قاسيا


  التقيته في مستشفى الامراض العقلية  بطريق الصدفة حيث كنت في زيارة لصديق  بعد اكثر من عشرين عاما ، لم اكد اعرفه  فقد تجاوز الاربعين  منظره يثير الحزن نحيفا  البقع السوداء حول عينيه تخفي البريق الذي كنت اعرفه نظراته يشوبها اليأس والخمول ، الحقيقة كل هذه التغيرات تجعل منه شخص اخر . سلم علي كانت يده باردة رغم اننا في فصل الصيف  وصوته  خافتا وبالكاد كان مسموعا  سألته ما الذي يفعله هنا ، اجابني  بصوت مرتجف انهم احضروه الى هنا لانهم لا يريدونه بالبيت  ، لقد ماتت امي وكذالك ماتت منى ، حزنت لسماع ذلك وعانقته وانا اربت على كتفه لعلي استطيع ان اواسيه ،
دخلت الى مكتب مدير المستشفى واستفسرت منه عن جميل ( هذا هو اسمه )  فاخبرني انه قد اكمل عامه العاشر في المستشفى الان  وانه يعاني من حالة اكتأب شديد و انفصام بالشخصية  اصيب بحالة انهيار عصبي  وانه يعيش الان على المهدأت . حزنت كثيرا لاجله ولم يتبادر الى ذهني ابدا ان اراه بهذه الحالة ، واستفسرت عن اهله فاخبرني ان امه توفيت نتيجة ذبحة صدرية  وكذلك اخته منى - اخته منى كانت  الاخت الكبرى وربما الام  والاب  بالنسبة له  في السابق وها هي تذهب وتتركه -  ولم يعد له احد .
كان في السابعة عشر من عمره عندما حضر مع امه واخته منى الى المركز اول مرة   شاب قصير القامة سمينا  هادئا مرتبا يبدو عليه عدم الاكتراث ، الولد الوحيد بين خمس بنات ، تستطيع ان تلاحظ اهتمام الام الزائد به ، سجلت المعلومات الهامة عنه وعن العائلة وقررنا قبوله بالمركز لفترة تجربة  ثم نقرر بعد ذلك ما يكون من امره .
وفي الايام التالية  وجدت انه من افضل الطلاب كان هادئا ومطيعا ويقوم بالعمل الموكل به دون تذمر او اعتراض كان كالحمل الوديع نادرا ما يتشاجر مع احد بل لاحظت انه لا ينسجم مع الاخرين ولم يكون اي علاقات حتى مع الجنس الاخر ولا يظهر اي اهتمام باحد كان يفضل ان يكون معي دائما وكنت الاحظ انه يتبعني بعيونه اينما ذهبت وتوطدت العلاقة  بيننا فكان ينفذ ما اطلبه منه بسرور ودون اعتراض ، وكان يستوعب التدريب بشكل جيد ولاحظت انه ابدى تقدما ملحوظا بالتعليم ايضا ,
ومضت الايام على هذا المنوال ثم قررت زيارة العائلة لاستكمل المعلومات حول تقدمه الذي كان مقبولا الى درجة كبيرة في المركز ، استقبلني على مدخل البيت ثم قادني الى غرفة الجلوس حيث استقبلني والده ووالدته واخته منى  كان البيت جميلا ومرتبا ويدل على حالة العائلة المادية المتوسطة ، ثم بعد لحظة جائت  احدى اخواته سلمت ثم جلست ولاحظت انه قد رمقها بعينه وكأنه يطلب منها المغادرة وفعلا خرجت ولاحظت ايضا انه كان يرد على والده ووالدته  بشكل غير لائق ويتدخل بالحديث ويكذبهما فيما يقولان ولكنه لم يكن  يفعل ذلك مع منى  وقد كنت اتدخل بين الحين والاخر لاطلب منه السكوت وان يدع واده يتحدث وكان يسكت فعلا وطلبت منه ان يريني غرفته فقادني الى الغرفة  كانت غير مرتبة ولاحظت اشيائه متناثرة في الغرفة وكرسي مكسور والسرير بحالة سيئة وعندما استفسرت منه عن سبب ذلك كله لم يجب ولكنه بدأ يحاول ان يرتب على عجل  فطلبت منه ان يستمر في ترتيب الغرفة ريثما اعود ، ثم جلست مع العائلة وبدؤا بالشرح عن حالة جميل اخبرني والده انهم يعيشون في جحيم لا يطاق  وان جميل هو السيد في البيت وانهم لا يستطيعوا ان يفعلوا اي شيء دون اخذ موافقته مهما كان صغيرا ، تعجبت من ذلك فهو لا يبدو عليه كل هذه القسوة وقالت امه انها هي السبب في ذلك فقد طلبت من الله ان يرزقها بولد مهما كانت حالته ويظهر ان الله اراد ان يعاقبني لاني لم ارضى بما قدره لنا ، وانا اعترف اننا دللناه الى ان اصبح كما تراه الان ، الواقع ان ما يتحدث به هؤلاء غريب انا لا ارى جميل هكذا معقول ان ينقلب الحمل الوديع الى هذا الذئب الكاسر الذي يصفانه به . لقد حرم اخواته من الزواج كلما جاء لاحدهن خاطبا كان يفتعل مشكلة كبيرة ليفشل الخطبة وها انت ترى اربع بنات دون زواج  هذا اضافة الى مرض ابوه وحالة الجحيم التي نعيشها ، اقول لك بصراحة اننا نتمنى لو يموت لعلنا نرتاح  .
ان ما سمعته قد اذهلني ولم اكن اتوقع ابدا ان اواجه مثل هذا الموقف ، في هذه الاثناء دخل جمبل وطلب مني ان ارى الغرفة وقد فوجئت انه عمل  ما طلبته منه  واصبحت الغرفة على ما يرام فشكرته على ما فعله وجلست الى جانبه وبدأت استوضح منه تصرفاته مع والديه فتطرق برأسه ولم يجب ووافقني ا نه يحبهما وانه لن يغضبهما بعد اليوم  ثم طلبت من منى ان تتصل بي اذا تصرف بشكل غير لائق في البيت وقلت له انني لن استقبلك بالمركز اذا لم تحترم من في البيت واتفقنا على ذلك وغادرت البيت .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق